المكان: شبه حديقة في وسط المدينة، تناثرت بها شجيرات رمادية بائسة، تحقد على قَدَر اغتصبها نعمة الصمم، فعاشت تحصي أبواق السيارات وصرخات الحياة من حولها، لعل يقربها هذا من النهاية. في وسط المكان مائدة خشبية صغيرة معوقة، يأمل أحد أطرافها الأربعة في ملامسة الأرض، وعلى المائدة كوبين من عصير برتقالي اللون لم يمسه أي من الفتي والفتاة الجالسين.
امتدت يد الفتى لتساعد بقايا الطلاء على الانفصال عن المائدة. التفت إليها وتفوه ببعض الكلمات. نظرت إليه صامتة. ابتسم وتفوه بمزيد من الكلمات اعترضها اقتراب شبح هزيل اختلط لون جلبابه البني بملامح وجهه. أمال الرجل الهزيل صندوق خشبي باتجاه الفتى ليعرض ما به من بضائع. أشاح الفتى بوجهه عنه معرضاً. حاول مرة أخرى، فهز الفتى رأسه بضيق صدر مصراً على إعراضه. التقطت اليد التي اعتادت خيبة الأمل شيئاً من الصندوق ليعرضه على الفتاة، فتلقى نظرة غضب من صديقها جعلته يستدير ويبتعد في خطوات ثقيلة، فبدا كأنه يمشي في سائل لزج يحيط به وحده.
التفت إليها وتفوه بالمزيد والمزيد من الكلمات، مصحوبة بابتسامة عريضة، وحركات استعراضية من اليدين، ولمسة يد بدت عفوية وإن لم تكن. نظرت إليه وقالت: "لأ شكراً مش عايزين".